top of page
Search

الخلاص من شاوشنك The Shawshank Redemption (خلّده التاريخ)

  • ميسرة صلاح الدين عثمان
  • Oct 15, 2017
  • 6 min read

أعزائي متابعي صفحة (اللُّوج - لعشاق السينما) مرحبًا بكم في سلسلة جديدة نقدمها إليكم مع افتتاح موقعنا بثوبه الجديد، سلسلة أفلام خلّدها التاريخ. نرجو أن تنال إعجابكم.

حريّ بنا عند التحدث في مثل هذه القائمة عن عمل خالد أن ندرك أسباب كونه عملا خالدًا، تحفة فنية، فيلمًا لا يستغني الناس عن مشاهدته، نقطة مضيئة في تاريخ السينما. بالطبع فإن أهم ما يجعل من عمل كهذا عملا خالدًا هو تأثيره على المشاهدين. كيف استقبلوه وكيف تفاعلوا معه وكيف تأثروا به وإلى أي مدىً يدينون بالفضل إليه! ، نعم لا تستغربوا الجملة الأخيرة، كثير من الأفلام قد تركت آثارًا وبصمات في نفوس الناس وأعماق أرواحهم بما فيها من مواقف ومشاهد وعبارات تهز المشاهد هزًّا، وتحرك فيه جيوشًا من المشاعر. ونحن إذ نتحدث عن أعمال بهذا الوزن وهذا التأثير، لا يمكننا إلا نبدأ سوى بالفيلم الذي حاز على أعلى تقدير يحوزه فيلم سينمائي على الإطلاق فيلم (الخلاص من شاوشنك The Shawshank Redemption).


الخلاص من شاوشنك ، وفقًا لموقع بيانات الأفلام الشهير (IMDB)، هو أعلى الأفلام تقديرًا وتقييمًا عبر التاريخ. الفيلم حاز على استحسان النقاد والجمهور على السواء وحصل على معدلات تقديرية عالية جدًا جعلته يتربع على عرش قائمة أفضل الأفلام في الموقع لفترة طويلة وما يزال. شاهد تشويقية الفيلم (التريلر) من هنا.

نبذة عن الفيلم


الفيلم من إنتاج عام 1994م والمأخوذ عن قصة لـ (ستيفن كينغ) نشرت في مجموعته القصصية (مواسم مختلفة) المنشورة عام 1984 وكانت بعنوان (ريتا والخلاص من شاوشنك) . مخرج وكاتب نص الفيلم هو (فرانك دارابونت). وقد قام بتطوير القصة وإضافة بعض التفاصيل إليها لتناسب طبيعة السرد الروائي للأفلام.

المخرج (فرانك دارابونت) مخرج الفيلم

المخرج (فرانك دارابونت) مخرج الفيلم

الكاتب (ستيفن كينغ) صاحب قصة الفيلم الأصلية

الكاتب (ستيفان كينغ) صاحب قصة الفيلم الأصلية

أوكل دور البطولة لكل من (تيم روبنز) بدور (آندي) بطل الفيلم وشخصيته المحورية، و(مورغان فريمان) بدور (ريد) مساعد البطل وصديقه وراوي أحداث الفيلم. وقد لقي الفيلم في وقته استحسانًا كبيرًا من النقاد والجماهير رغم أنه لم يحقق نجاحًا ماديًّا باهرًا بأرباح خيالية. الفيلم تم ترشيحه لسبع جوائز أوسكار على رأسها جائزة أفضل فيلم للعام والتي اعتبر الكثيرون عدم فوزه بها حالة من حالات الظلم الأكبر التي تعرض لها أي فيلم في التاريخ حين لم يعط الجائزة في سنة 1994م (بينما هو الفيلم الأفضل على مر العصور برأي الكثيرين)، لكن تلك السنة في حقيقة لم تكن فيها المنافسة سهلة على الإطلاق، فالاختيار كان صعبًا جدًا بين مجموعة من الأفلام التي تم اعتبارها خالدة أيضًا وصدرت في ذات العام، وهما فيلما (فورست غامب Forrest Gump) و(خيال رخيص Pulp Fiction).

مورغان فريمان (ريد) وتيم روبنز (آندي) بطلا الفيلم

مورغان فريمان (ريد) وتيم روبنز (آندي) بطلا الفيلم


تنبيه مهم جدًا: الجزء التالي سيحتوي على حرق لأحداث مهمة بالفيلم، من لم يشاهد الفيلم ننصحه بالمشاهدة فورًا ثم العودة للاطلاع على المقال بعدها.


مواطن تميّز الفيلم وإبداعه


إليكم الآن استعراضنا لأهم الأسباب التي جعلت هذا الفيلم مميزًا ويستحق كل هذه الإشادة وهذا الإعجاب:


تجانس التفاصيل المضافة مع القصة

الرواية القصيرة التي أخذ عنها الفيلم (ريتا هايوورث والخلاص من شاوشنك) لم تكن تحتوي على كل هذه الأحداث الفرعية ومكوناتها التي ملأت فراغ الفيلم، ومما يثير الدهشة أن جميع التفاصيل التي تمت إضافتها لسياق الفيلم كانت جاذبة ومؤثرة ومعبرة، وقد ملأت الفراغ الزمني كأحسن ما يكون حتى أن المشاهد لا يلاحظ أي نوع من المط أو التطويل أو الملل خلال أحداث الفيلم مطلقًا.


استخدام الفيلم للرمزيات

كثيرا ما يبحث الناس عن الرمزيات في الأفلام، لكن هذا الفيلم وقصته المليئة بالمعاني احتوى على كثير من الرمزيات في مشاهده. أبرز هذه الرمزيات مثلا: الكتاب المقدس والذي يحمل معاني الخلاص والتمسك بالحق وحرية الإنسان والذي قد يستخدمه البشر في ذات الوقت كوسيلة للقمع والسيطرة على الآخرين وتقييد حرياتهم، في مشهد رئيس السجن حين يعيد (آندي) الكتاب المقدس عبر القضبان، وكأنه يعده بالخلاص -ولكنه بالقطع لا يفعل- حين قال له بأن النجاة تكمن في هذا الكتاب، والذي لم يكن يعرفه أن عبارته المجازية كان تحمل حرفيًّا المعنى الخفي والحقيقي معًا. فعند اكتشاف هروب (آندي) وفتح الكتاب وإكتشاف الحفر الذي صنعه بالكتاب ليحتفظ بأداة الحفر التي استعملها داخله، هنا المشهد يشير إلى استخدام الإنسان لعقله وحفره ونبشه وراء كل شيء للوصول للحرية حتى ولو كان ما ينبشه هو الكتاب المقدس نفسه. شاهد مشهد تفتيش المدير لزنزانة (آندي) وإعادة الكتاب المقدس من هنا.

لحظة اكتشاف الحفرة التي هرب منها (آندي) بواسطة مدير السجن

لحظة اكتشاف الحفرة التي هرب منها (آندي) بواسطة مدير السجن

الكتاب المقدس محفورًا لحفظ أداة الحفر للهروب مع مطلع (سفر الخروج) من العهد القديم

الكتاب المقدس محفورًا لحفظ أداة الحفر للهروب مع مطلع (سفر الخروج) من العهد القديم



السرد بلسان سنيد البطل

يعتبر هذا الفيلم صاحب واحدة من أقوى طرق السرد بأسلوب الراوي المدمجة صوتيًّا مع الصور. لابد أنكم رأيتم وسمعتم أفلامًا وبرامج وثائقية ومقاطع أخرى كثيرة يتحدث فيها (مورغان فريمان). ويرجع الفضل في نجاحه وشهرته في السرد الصوتي هو انطلاقته من هذا الفيلم لأنه قد تميز فيه جدًا. كما يحسب كذلك للمخرج وكاتب السيناريو عدم تضييع الوقت بالسرد حول تفاصيل مرئية فعلاً، أو الاستطراد فيما لا فائدة منه. كان الراوي في حديثه يعطيك المعلومة من زاويته وتشاهد الموقف من زاويتك وترى أشياء هو لا يقولها وتسمع أشياء لا تراها، فتعطيك حالة فريدة من الإدراك لمواطن حساسة من القصة بشكل متكامل بين الصوت والصورة.

مورغان فريمان، الذي قام بدور (ريد) سنيد البطل


العبقرية في نقل المشاعر بالصمت

كثيرا ما تتحدث الوجوه وتعبر الحالة الصامتة عما يعتمل في الذات، إن من أقوى الأشياء في التعبير هو عكس المشاعر، فالمشاعر تلمس من يستشعرها. فهي لغة عالمية بل لغة كونية، تخاطب الوجدان مباشرة. وحين يستطيع المخرج والممثل والمصور نقل المشاعر بكل هذه البراعة في صمت تام دون الإكثار من الحديث، فهذا يزيد من براعة الفيلم، لأن المشاهد لا يحتاج إلى اللغة لتصل المشاعر إلى قلبه وهي مشاهد سيفهمها ويحسها كل من يراها ولو لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية مطلقًا. مشاهد عديدة دخلت قلوب المشاهدين دون وجود حوار فيها، لأن الصورة تكفي. مشاهد مثل لحظة مقتل الفتى الشاهد، ومشهد خروج (بروك) الشيخ المسن من السجن بعد فترة طويلة ومشاعره المتباينة بين الفرحة بالخروج والخوف من المجهول ومن ثم المشاهد المتتابعة التي سردت تسلسلية انتحاره فيما بعد ، وكذلك مشاهد دخول (آندي) المتكررة للسجن الانفرادي. وبالطبع لقاء (ريد) مع (آندي) في خاتمة الفيلم أمام البحر.

السجين (بروك) ومشاعر الخوف والرهبة تتملكه بعد الخروج من السجن

السجين (بروك) ومشاعر الخوف والرهبة تتملكه بعد الخروج من السجن

وهذا مشهد آخر يعد مثالا قويًّا على ذلك، وهو مشهد إغلاق (آندي) للباب وهو يشغل أسطوانة موسيقية رائعة في مكبرات الصوت ليسمعها لزملاءه في السجن دون أن يعبأ بطرقات الحراس من خلفه، والنشوة والسعادة الغامرة التي كان يشعر بها، المشهد تم تغطيته في تلك اللحظة بصوت المقطوعة الموسيقية فقط دون اللجوء إلى الحديث مطلقًا إلا بتعليق (ريد) ومشاعره تجاه الموقف. شاهد هذا المشهد من هنا .


تكمن العبقرية هنا في اختيار عدم الخوض في الحوارات دائمًا لتوضيح كل شيء أنها تركت مساحة للمشاهدين لوضع التكهنات ومحاولة فهم الرمزيات واستشعار حالة الأبطال والتعاطف معهم، وأخيرًا والأهم، نقل واقعية السجن وحياته الصعبة إذ يمر فيه الناس بتجارب عديدة تعيسة لا يشعرون معها بالرغبة في الحديث أصلاً.




الشخصيات بين الضعف والقوة

في هذا الفيلم تمر جميع شخصياته تقريبًا بحالات متباينة بين الضعف والقوة، فكأن الفيلم ينقل لنا طبيعة الحياة التي تلخصها الحكمة (يوم لك ويوم عليك) . وهو ما يمر به جميع من في الفيلم أشرارًا كانوا أو أخيارًا -إن صحت التسمية- فمدير السجن مثلاً يبدو مسيطرًا ومتمكنًا وذا نفوذ تام في أغلب فترات الفيلم، وتتكون علاقة غريبة بينه وبين (آندي) تنتهي بكونه يظهر جوانب من الضعف في شخصيته، ويبلغ قمة الضعف حين يفر (آندي) وتنفضح معاملاته المالية الفاسدة التي تنتهي بفصله. كذلك رأينا (بروك) عامل المكتبة في مجده وقت عمله، وقمة فرحته بانتهاء مدته وتسريحه من السجن وبين إحباطه وخوفه من الحياة خارج أسوار السجن ووصولا إلى أضعف حالاته النفسية وانكساره واستسلامه بالانتحار. وكذلك البطل يمر بلحظات انكسار وانتصار متفاوتة قبل لحظة الانتصار الكبير في النهاية. وشخصيات أخرى كثيرة لن تسعفنا المساحة لذكرها وذكر ما حل بها.

الممثل بوب غونتون الذي قام بدور (واردن نورتون) مدير السجن

الممثل بوب غونتون الذي قام بدور (واردن نورتون) مدير السجن

الممثل جيمس وايتمور الذي قام بدور (بروك) السجين وأمين المكتبة

الممثل جيمس وايتمور الذي قام بدور (بروك) السجين وأمين المكتبة


الإلهام

الفيلم ملهم ولاشك، ولكن البراعة تكمن في هالة الإلهام التي صنعها الكاتب البارع (كينغ) حول شخصيته الرئيسية وقام من بعده مخرج الفيلم بتعزيزها، وكيف أنه بعناده وملاحظاته الدقيقة وتفكيره المغاير أصبح شخصًا مؤثرًا فيمن حوله وزرع فيهم الإلهام بطرق كثيرة وتأثروا به، مثل ما حدث مع (تومي) النصاب الصغير الذي شجعه (آندي) على الاجتهاد وخوض امتحانات الشهادة الثانوية المؤدية للجامعة من داخل السجن، وهو ما حدث بالفعل وجعل من (تومي) إنسانًا آخر ذا هدف في الحياة.

لقطة فتح (ريد) للمظروف الذي أتى يحمل شهادة (تومي) الثانوية

لقطة فتح (ريد) للمظروف الذي أتى يحمل شهادة (تومي) الثانوية


هذا الإلهام تراه على شخصيات الفيلم قبل أن يصلك بصفتك مشاهدًا لأنك ببساطة تتماهى مع الشخصيات وقد تتعاطف معها حتى لو كانت من المجرمين. لأنك تلمس فيهم الجانب الإنساني وحوجة الإنسان للخروج من حدود الخوف والظلام النفسي التي تكبله عن تحقيق ذاته والانتصار على الظلم الواقع عليه من الآخرين أو من نفسه على نفسه.


وأخيرًا ملاحظة عجيبة تتعلق بالفيلم وهي: ضعف الحضور النسائي، فبشكل عام لا توجد شخصية نسائية في سياق الأحداث سوى زوجة (آندي) المقتولة، والتي يأتي ذكرها عدة مرات، ولا تظهر في الفيلم إلا للقطات خاطفة، الفيلم لم تكن به أي نسبة من الحضور النسائي ورغم ذلك سجل كل هذا الاهتمام وهذا التأثير، والمميز في ذلك أنه يعكس الفرضية التي يعمل بها الكثير من المخرجين والمنتجين بأن من شروط نجاح الفيلم هو وجود عنصر نسائي جذاب ومثير وهو بالطبع تفكير سطحي تمامًا. فالنجاح يعتمد على ما تلمس به روح الإنسان والأثر الذي تتركه فيه القصة والأحداث دون التركيز على وصفات مختلة تهتم بالقشور وتنسى جوهر الأمر.

هذه المقالة عن الفيلم الرائع (الخلاص من شاوشنك) والذي خلده التاريخ. وهو بالطبع يستحق المشاهدة مرات ومرات عديدة لما فيه من روح وقصة وأداء وإلهام وإبداع. نود أن نعرف رأيكم بالفيلم في التعليقات، وترشيحاتكم لأفلام أخرى تودون منا أن نغطيها في مقالاتنا القادمة من هذه السلسلة.


 
 
 

Comentarios


bottom of page